الدرس الخامس – المحكم والمتشابه من القرآن والسنة
الحمد لله الذي أنزل القرءان هدىً ورحمة، فيه ءايات متشابهاتٌ وأُخَرُ مُحكَمَات، فأنارَ به بصائر قومٍ وجعلَ قلوبَ قومٍ مُقْفَلة، فمن هداه الله فبفضلِه وفَّقَه، ومن أضلَّه الله فبعدْلِه خَذَلَه، سبحانه تَنَزَّهَ عن الظلم وما شاء فَعَلَ، وأصلي وأسلّمُ على سيدنا محمدٍ إمامِ البَرَرَة، وعلى آله الطيبين ومَن على الإيمانِ صَحِبَه، وأشهد أن لا إله إلا الله المعبودُ بحقٍّ وَحدَه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدهُ ورسولُه صلوات ربي عليه وعلى كل رسولٍ أرسَلَه
أما بعد قال الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾ (سورة آل عمران- ءاية 7 )
ما الفرق بين المحكم والمتشابه ؟
بَيَّنَ ربُّنا تبارك وتعالى أنّ القرءان فيه ءايات محكمات وفيه ءايات متشابهات، فأما المحكمات فهي التي دلالتها على المراد واضحة، فلا تحتمل من التأويل بحسب وضع اللغة إلا وجهًا واحدًا أي معنىً واحدًا كقوله تعالى ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ (سورة الإخلاص 4 )، وقولِهِ تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ (سورة الشورى 11 )، وقد سمَّى الله تبارك وتعالى الآيات المحكماتِ بأُمّ الكتاب أي أمّ القرآن لأنَّها الأصل الذي تُرَدُّ إليها الآيات المتشابهات، وأغلب آيات القرءان مُحْكَمَةٌ.
وأما الآيات المتشابهة فهي التي لم تتضح دلالتها أي أنّ دلالتها على المراد غير واضحة وتحتمل بحسب وضع اللغة العربية أوْجهًا أي أكثر من معنى، ويُحتاج لمعرفة المعنى المرادِ منها إلى نِظِرِ أهل النظرِ والفهمِ الذين لهم دِرايةٌ بالنصوص الشرعية ومعانيها ولهم دِراية بلغة العرب فلا تخفى عليهم المعاني، إذ ليس لكل إنسان يقرأ القرءان أن يفسّرَهُ، قال الله تعالى ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (سورة النحل 43) ، ومثال ذلك قوله تعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (سورة طه ءاية 5) فإن كلمة استوى في لغة العرب تحتمل خمسة عشر معنىً، فاحتيج إلى نظر العلماء لمعرفة المراد منها في هذه الآية.
ما هو مسلك السلف والخلف في تأويل الآيات المحكمة والمتشابهة ؟
ولأهل السنة في تأويل المتشابه مسلكان كلٌّ منهما صحيح، مسلكُ أكثرِ السلف وهم أهل القرون الثلاثة الأولى فإنهم يؤولون المتشابهات تأويلاً إجماليًا بِرَدّها إلى الآيات المحكمات وذلك بالإيمان بها واعتقادِ أنَّ لها معنىً يليق بجلال الله وعظمته بلا تعيينِ معنىً ولا يفسرونها على الظاهر المتبادر منها، فإذا سمعوا الآية ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ قالوا أمِّروها كما جاءت بلا كيف ( ومعنى بلا كيف : أي بلا هيئة وصورة) وردُّوها إلى الآية المُحكمة كقوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ وعلموا أنّ المعنى الظاهرَ أي المتبادِرَ إلى الذهن من قوله تعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وهو الاستقرار أو الجلوس ليس مرادًا ولا هو معنى الآية لكونه من صفات المخلوقات فهو مخالفٌ للآية المحكمة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ فأّوَّلُوْهَا تأويلاً إجمالِيًّا.
فقالوا: استوى استواءً يليق به ليس جلوسًا ولا استقرارًا ولا يُشْبِهُ أيةَ صفة من صفات المخلوقين وذلك كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “ ءامنت بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله” اه. يعني رضي الله عنه لا على ما قد تذهب إليه الأوهام والظنون من المعاني الحسية الجسمية التي لا تجوز في حق الله.
روى الحافظ الزبيدي بسنده إلى الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله عز وجل: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود به كفر. اه
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وأخرج أبو القاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر.
ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى على العرش؟ فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وعلى الله الرسالة وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم. اه
وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب: قال كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ كيف استوى؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن على العرش استوى كما وصف به نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وما أراك إلا صاحب بدعة أخرجوه. اه
وقال الحافظ ابن حجر ومن طريق يحيى بن يحيى عن مالك نحو المنقول عن أم سلمة: [والكيف غير معقول] لكن قال فيه: [والإقرار به واجب والسؤال عنه بدعة]. اه ، وكذلك أخرج الإمام أحمد الرفاعي في كتابه البرهان المؤيد عن مالك رواية والكيف غير معقول.
ومعنى الكيف غير معقول: أي مستحيل على الله الكيف، والكيف هو كل ما كان من صفات المخلوقين ولم يقل أحد من السلف الصالح بالكيف في حق الله ولم يقل أحد منهم بأن هناك كيف في حق الله ولكن مجهول كما جاء في رواية مكذوبة على الأمام مالك رضي الله عنه أنه قال “والكيف مجهول“ فهذه الرواية مكذوبة إذ لو كانت صحيحة على زعم البعض وأن الإمام مالك قال “والكيف مجهول” فلماذا إذاً غضب الإمام مالك عندما سُئل عن الكيف ؟!! لقال له الكيف مجهول من غير أن يأمر بطرده، ولكن الإمام مالك غضب لأن الرجل سأل عن الكيف والكيف في حق الله مستحيل، ولم يقل أحد من السلف أيضا أن الله جالس على العرش، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علواً كبيرا، بل السلف الصالح حكموا بالكفر على كل من اعتقد أنَّ الله جسم جالس على العرش وأن ذلك من عقائد اليهود.
والمسلك الثاني مسلك الخلف فهم يؤولون آية الاستواء تفصيلاً بتعيينِ معانٍ لها مما تقتضيه لغةُ العرب ولا يحملونها على ظواهرها أيضًا موافقين للسلف في ذلك. فالسلف والخلف متفقان على عدم الحمل آية الاستواء على الظاهر، قال السلف أي أكثرهم “استوى بلا كيف” أي استواء يليق بجلال الله وعظمته لا على المعنى الذي يكون من صفات المخلوقات أي لا على معنى الجلوس أو الاستقرار أو علوّ المكان، وأما أهل المسلك الثاني فقالوا استوى أي قَهَرَ وحفظ وأبقى لكون قَهَرَ من معاني استوى في لغة العرب ولكون هذا المعنى موافقًا للآية المحكمة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ ولقوله تعالى ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ (سورة الأنعام ءاية 18).
ومعنى قوله تعالى ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ فوقية الغلبة والسلطان لا فوقية المكان والجهة حيث أن الفوقية يمكن أن تأتي بمعنى علو المكانة وتأتي بمعنى فوقية المكان والجهة، وذلك من قول الله تعالى ﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ فوقية المكانة لا فوقية المكان والجهة.
ونحن أهل السنة والجماعة نختار المعنى الذي يليق بجلال الله ويوافق النص المحكم، قال الطحاوي “ من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر ” والمكان والجهات من معاني البشر. ويقول بعض أهل الزيغ إنَّ التأويلَ ممنوع وإنَّ السلف ما استعملوه وهذا كلام باطل ومردود كيف وقد جاء في الصحيح عن سيد الكَوْنَيْنِ صلى الله عليه وسلم أنه قَدَّمَ له ابنُ عباس وَضوءه ( أي ماءَ الوُضوء ) فقال صلى الله عليه وسلم “مَنْ فَعَلَ هذا؟” فقال قلت أنا يا رسول الله فقال “اللهمّ فَقِّهْهُ في الدين وعَلّمْهُ التأويل” اه. ولو كان التأويل محظورًا مُطلقًا لكان هذا دُعاءً عليه لا له.
بل إنَّ مَنْعَ التأويلِ مطلقاً يُؤدي إلى ضَرْبِ القرءان بعضِهِ ببعض، فلو أخَذَ ءاخذٌ بظاهر الآية ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ ( سورة الحديد – ءاية 4) فاعتقد أن الله مع كل واحدٍ بذاتِهِ أو اعتقد أن الله تعالى متحيز في كل مكان وأخذ بظاهر الآية ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فاعتقد أن الله جالس على العرش لأدّى هذا إلى تناقض لأن معناه على الظاهر أن الله في جهة فوق على العرش وأنه مع كل واحد بذاته في كل الجهات ومنها جهة تحت في الأرض فيقعُ التناقض وحاشا أن يكون في القرآن تناقض فقد قال الله تعالى ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ ( سورة النساء ءاية 83 ) أما لو ردَّ هاتين الآيتين إلى الآية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ فأَوَّلَ الاستواءَ بالقهر أو قال له معنى يليق بالله ونفى عن الله المكان والجلوس والاستقرار على العرش وأوَّلَ قولَهُ تعالى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾ بالعلم أي أنه محيطٌ بكم عَلمًا قال الله تعالى ﴿أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ (سورة الطلاق آية 12) لكان في ذلك سلامةٌ ونجاةٌ لكونه موافقًا للآية المحكمة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾.
وماذا يقول من يمنع التأويل في قوله تعالى إخبارًا عن سيدنا إبراهيم عليه السلام ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾( الصافات 99 ) وكان إبراهيم عليه السلام ذاهبًا إلى فلسطين هل يقول بزعمه إنَّ الله يسكن فلسطين أم سيؤول هذه الآية ليوافق الآية المحكمة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ﴾ وغيرها من الآيات المحكمات ومُراد سيدنا إبراهيمَ بقوله إني ذاهب إلى ربي أي إلى حيث أمرني ربي.
فيا أخي المسلم إن سمعت أو قرأت آية في القرءان ظاهرُها مخالف للآيات المحكمات فلا تَتَسرَّعَنَّ إن لم تكن سمعتَ تفسيرها ممن هو أهل لذلك وقُلْ لها معنى يليق بالله ورُدَّها إلى الآيات المحكمات ولا تأخذْ بظاهرها الذي قد يتبادر معناه إلى ذهنك ممَّا يُوهِمُ تشبيهَ الله بخلقهِ، ورضي الله عن السيد أحمدَ الرفاعي الكبيرِ القائلِ “صونوا عقائدَكُمْ مِنَ التمسُّكِ بظاهر ما تشابه مِن القرءان والسنة فإن ذلك مِن أصول الكفر” اه.
تفسير بعض الآيات المتشابهة وتفسيرها بطريقة سؤال وجواب: –
س 1: ما معنى قوله تعالى:﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ سورة فاطر- 36 ؟
ج 1: قَوْلُه تعالى:﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ (سورة فاطر- 10) ، أيْ أَنَّ الكَلِمَ الطَّيّبَ يَصْعَدُ إلى مَحَلّ كَرَامَتِه وهُوَ السَّمَاءُ، فالسماءُ محلُّ كرامةِ الله أي المكان الذي هو مُشرَّفٌّ عند الله، لأنها مسكنُ الملائكةِ، والعَمَلُ الصَّالِحُ يرفَعُه أي الكلمُ الطيبُ يرفَعُ العملَ الصالحَ وهذا دليل قبول العمل هَذَا مُنْطَبِقٌ ومُنْسَجِمٌ مَعَ الآيَةِ المُحكَمَةِ:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ﴾ .
س 2: كيف يكون تفسير الآيات المتشابهة؟
ج 2: تَفْسِيرُ الآيَاتِ المُتَشَابِهَةِ يَجبُ أنْ يُرَدَّ إلى الآيَاتِ المُحْكَمَةِ، هَذا في المُتَشَابِهِ الذي يَجُوزُ للعُلَماءِ أَنْ يَعْلَمُوهُ. وأمّا المتشَابهُ الذي أُريدَ بقوله:﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ﴾(سورة ءال عمران 7) على قراءةِ الوَقفِ على لفظِ الجَلالةِ فهو ما كانَ مثلَ وجْبَةِ القيامةِ، وخروجِ الدجالِ على التّحديدِ، فلَيسَ مِن قَبيْلِ آيةِ الاستواءِ.
س 3: كيف يُردّ على من نفى التأويل التفصيلي عن السلف؟
ج 1: نفيُ التأويلِ التفصيلي عن السلفِ كما زعمَ بعضٌ مَردُودٌ بما في صَحيحِ البُخَاريّ في كِتابِ تَفْسير القُرءانِ وعِبارتُه هُناكَ: “سورةُ القصَص” ﴿ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾(سورة القصص 88) “إلا مُلْكَهُ ويقال ما يتقرب به إليه” اه. فملكُ الله صفةٌ من صفاتِهِ الأزليةِ أي سلطانه ليس كالملكِ الذي يعطيهِ للمَخلوقينَ. وَفيهِ غَيرُ هَذَا المَوْضِعِ كتَأْوِيلِ الضَّحِكِ الوَارِدِ في الحَدِيثِ بالرَّحْمَةِ.
وصَحَّ أَيْضًا التَّأْويلُ التَّفصيليُّ عَن الإمام أحمَدَ وهُوَ منَ السَّلَفِ فَقد ثبَتَ عنْه أنَّه قالَ في قَولِهِ تعالى:﴿ وَجَاء رَبُّكَ ﴾(سورة الفجر 22) إنما جَاءَتْ قُدْرتُه، صَحَّحَ سَنَدَهُ الحافِظُ البَيْهقيُّ الذي قالَ فِيهِ الحافِظُ صَلاحُ الدّينِ العَلائيُّ: “لَم يَأْتِ بَعْدَ البَيْهقِيّ والدَّارَ قُطنِيّ مِثْلُهمَا ولا من يُقارِبُهُما”. أما قولُ البيهقيّ ذلك ففي كتابِ مَناقبِ أحمدَ، وأمَّا قَولُ الحافِظِ أبي سَعيدٍ العَلائيّ في البَيهقيّ والدّارَ قُطنيّ فذلكَ في كِتَابِه “الوَشْيُ المُعْلَمُ”، وأَمَّا الحَافِظُ أَبو سَعِيدٍ فَهُو الذي يَقُولُ فِيه الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: “شَيْخُ مَشَايخِنا” وكان من أهل القرن الثامن الهجري، وهُنَاكَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ العُلَماءِ ذَكَرُوا في تآلِيْفِهم أنَّ أحْمدَ أوَّلَ، مِنْهُمُ الحافِظُ عبدُ الرحمنِ بنُ الجَوزِيّ الذي هُو أحَدُ أسَاطِينِ المَذْهَبِ الحنبليّ لكَثْرةِ اطّلاعِهِ عَلى نُصُوصِ المذهَبِ وأحوالِ أحْمدَ.
س 4: ما هو مسلك الخلف في تأويل الآيات المتشابهة؟
ج 4: مَسْلَكُ الخَلَفِ: أن يُؤَوّلُونَها تَفْصِيلا بتَعْيِينِ مَعَانٍ لَهَا مِمّا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ العَرَبِ وَلا يَحْمِلُونَها علَى ظَوَاهِرِها أيْضًا كَالسَّلَفِ. ولا بَأْسَ بسُلُوكِهِ ولا سِيَّمَا عنْدَ الخَوفِ مِنْ تَزَلزُلِ العَقِيْدةِ حِفْظًا منَ التّشبِيهِ. مثْلُ قَولِه تَعالى في تَوبيخِ إبْليسَ:﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾(سورة ص 75)، فَيَجوزُ أن يُقَالَ المُرادُ باليَدَيْنِ العِنَايةُ والحفظ، وهذا مصداق لقوله تعالى﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾(سورة آل عمران 59)
س 5: ما معنى قوله تعالى:﴿مِن رُّوحِنَا ﴾وقوله:﴿ مِن رُّوحِي ﴾؟
ج 5 : لِيُعْلَمْ أنَّ الله تَعالى خَالِقُ الرُّوح والجَسَدِ فَلَيسَ رُوحًا ولا جَسَدًا، ومَعَ ذلِكَ أضَافَ الله تَعَالى رُوحَ عِيسَى صلى الله عليه وسلم إلى نَفْسِه على مَعْنى المِلْكِ والتَّشْريفِ لا للجُزْئِيَّةِ في قَولِه تَعالى: ﴿مِن رُّوحِنَا﴾ (سورة الأنبياء 91)، وكذلكَ في حَقّ ءادَمَ قولُهُ تعَالى ﴿مِن رُّوحِي﴾ (سورة ص 72 ) فَمعنَى قَولِهِ تَعالَى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ (سورة الأنبياء 91 ) أَمَرْنَا جِبْرِيلَ عليهِ السّلامُ أنْ يَنفُخَ في مَرْيمَ الرّوحَ التي هِي مِلْكٌ لَنا ومُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا، لأَنَّ الأَرْواحَ قِسْمَانِ: أَرْوَاحٌ مُشَرَّفَةٌ، وَأَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ، وَأرْوَاحُ الأنْبِيَاءِ منَ القِسْمِ الأوَّلِ، فَإِضَافَةُ رُوحِ عِيسَى ورُوح ءادَمَ إلى نَفْسِه إضَافَةُ مِلك وتَشْريفٍ، ويَكفُر من يَعتَقدُ أنَّ الله تعالى روحٌ، فالرّوحُ مخلوقةٌ تَنزَّهَ الله عن ذلِكَ.
س 6: ما معنى قوله تعالى في الكعبة:﴿ بَيْتِيَ ﴾(سورة الحج 26)
ج 6: قَولُه تَعَالى في الكَعْبةِ﴿ بَيْتِيَ ﴾(سورة الحج 26) فَهِيَ إضَافَةُ مِلكٍ للتشريفِ لا إضَافَةُ صِفَةٍ أو مُلابَسَةٍ لاسْتِحَالَةِ المُلامَسَةِ أو المُماسَّةِ بَيْنَ الله والكَعْبَةِ. وكذلك قولُ الله تعالى:﴿ رَبُّ الْعَرْشِ ﴾(سورة المؤمنون 116) ليسَ إلا للدلالةِ على أن الله خالقُ العرشِ الذي هو أعظمُ المخلوقاتِ ليسَ لأن العرشَ له ملابَسَةٌ لله بالجلوسِ عليهِ أو بمحاذاتِهِ من غيرِ جلوسٍ، ليس المعنى أن الله جالسٌ على عرشِهِ باتصالٍ وليس المعنى أن الله محاذٍ للعرشِ بوجودِ فراغٍ بينَ الله وبينَ العَرشِ إن قُدّرَ ذلكَ الفراغُ واسعًا أو قصيرًا كلُّ ذلكَ مستحيلٌ على الله، وإنما مزيةُ العرشِ أنه كعبةُ الملائِكَةِ الحافينَ من حولِهِ كمَا أن الكعبةَ شُرفَت بطوافِ المؤمنينَ بها. ومن خواصّ العرشِ أنه لم يُعصَ الله تعالى فيهِ، لأنَّ مَن حولَهُ كُلُّهم عبادٌ مكرمونَ لا يَعصونَ الله طرفةَ عينٍ، ومن اعتقدَ أن الله خلقَ العرشَ ليجلِسَ عليهِ فقد شَبَّهَ الله بالملوكِ الذين يعملونَ الأسِرةَ الكبارَ ليجلسوا عليها ومن اعتقدَ هذا لم يَعرِف الله، ويكفر من يَعتَقِدُ المُمَاسَّةَ لاسْتِحالتِها في حَقِّ الله تَعَالى.
س 7: كيف يُردّ على من قال: إذا قلتم الله موجود بلا مكان تكونون نفيتم وجوده؟
ج 7: نردّ عليه بما قالَه القُشَيْرِيُّ: “والذي يَدْحَضُ شُبهَهُم أَنْ يُقالَ لَهُم: قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ العَالَمَ أو المَكَانَ هَلْ كَانَ موجودًا أمْ لا؟ فَمِنْ ضَرُورَةِ العَقْلِ أنْ يَقُول بَلَى فَيَلْزَمُه لَوْ صَحَّ قَولُه لا يُعْلَمُ مَوجُودٌ إلا في مَكَانٍ أحَدُ أمْرَينِ: إمَّا أنْ يَقُولَ: المكانُ والعَرْشُ والعَالَمُ قَدِيمٌ، وإمَّا أَنْ يَقُولَ: الرَّبُّ تعالى مُحْدَثٌ، وهذا مآلُ الجَهَلةِ الحشوِيّةِ، لَيْسَ القَدِيمُ بالمُحْدَثِ والمُحْدَثُ بالقَدِيمِ” اه.
س 8: ما معنى “الله أكبر”؟
ج 8: لا يُوصَفُ الله تَعَالى بالكِبَرِ حَجْمًا ولا بالصّغَرِ، ولا بالطُّولِ ولا بالقِصَرِ، لأَنَّهُ مُخالِفٌ للحَوادِثِ، ويَجبُ طَرْدُ كُلّ فِكْرَةٍ عَن الأَذْهَانِ تُفْضِي إلى تَقْدِيرِ الله تَعالى وتَحدِيدِه. فقولنا “الله أكبر” معناه أكبر من كلّ كبيرٍ قدرًا ودرجة وقوّة وعلمًا لا امتدادًا، وهذا مُراد السّلف بقولهم في الآيات المتشابهة: “أمرّوها كما جاءت بلا كيفية” ليس معناه أنّ له كيفيّة ليست معلومة لنا. وليس موافقاً للسلف من يقول بناءً على ذلك استواء الله تعالى على العرش جلوسٌ ولكن لا نعلم كيفيّة ذلك الجلوس قال تعالى ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ (سورة الرعد- 8 )
س 9: ما معنى قوله تعالى:﴿ اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾(سورة النور – 35)
ج 9: قَوْلُه تَعالى:﴿ اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ مَعنَاهُ أنَّ الله تَعالى هَادِي أهْل السَّمواتِ والأَرْضِ لنُورِ الإيْمانِ، رَوَاهُ البَيهَقيُّ عن عَبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُما، فَالله تعَالى ليْسَ نُورًا بمَعنى الضّوْءِ، بلْ هوَ الذي خَلَقَ النُّورَ، قَالَ تَعَالى:﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾(سورة الأنعام – 1)، أي خَلقَ الظُّلماتِ والنورَ، فكيفَ يُمكِنُ أنْ يكُونَ نُورًا كَخَلْقِه، تَعالى الله عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيْرًا، وحُكْمُ من يَعتقِدُ أنَّ الله تعَالى نُورٌ أيْ ضَوءٌ التّكفيرُ قَطْعًا. وهُنَاكَ العَديدُ منَ العَقَائِدِ الكُفْريَّةِ كَاعْتِقادِ أنَّ الله تعَالى ذُو لَوْنٍ أو ذُو شَكْلٍ فليَحْذَرِ الإنسَانُ مِنْ ذَلِك جَهْدَهُ علَى أيّ حَالٍ.
س 10 : ما أصرح دليل في القرآن على أنّ الله ليس حجما كثيفا ولا لطيفا؟
ج 10 : هذه الآيةُ ﴿ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور ﴾(سورة الأنعام – 1) أصرحُ دليلٍ على أن الله ليسَ حجمًا كثيفًا كالسموات والأرض وليس حجمًا لطيفًا كالظلماتِ والنور، فمن اعتقدَ أن الله حجمٌ كثيفٌ أو لطيفٌ فقد شبَّه الله بخلقهِ والآية شاهدةٌ على ذلكَ. أكثرُ المشبهةِ يعتقدونَ أن الله حجمٌ كثيفٌ وبعضُهم يعتقدُ أنه حجمٌ لطيفٌ حيث قالوا إنه نورٌ يتلألأ، فهذه الآيةُ وحدَها تكفي للردِ على الفريقينِ.
س 11 : ما معنى قوله تعالى ﴿ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ (سورة تبارك – 16) ؟ .
ج 11 : أي الملائكة الذين ينفذون أوامر الله وليس المقصود الله بذاته في السماء، قال تعالى:﴿ تُسبِّحُ له السَّمواتُ السَّبعُ والأرضُ وَمَن فيهنَّ ﴾ (الاسراء 44 ) – أي الملائكة.
قال تعالى:﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (الرحمن 29 ) – أي الملائكة.
قال تعالى:﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ – أي الملائكة.
قال تعالى:﴿ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (سورة التوبة 26) – أي الملائكة.
قال تعالى:﴿ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ ﴾ ( الأنعام- 8 ) – أي سيدنا جبريل خسف الأرض بقوم لوط فالمقصود في الآية سيدنا جبريل أي الملائكة.
قال تعالى﴿ وَهُوَ اللهُ في السَّمَواتِ وَفِي الأَرْضِ ﴾ ( سورة الأنعام – 3 ) مَعْنَاهَا اللهُ مَعْبُودٌ فِي السَّمواتِ وَفِي الأَرْضِ، فِي السمواتِ تعبُدُه الملائكةُ وفي الأرضِ يعبُدُه مُؤْمِنُو الإِنْسِ وَمُؤْمِنُو الجِنِّ.
وقوله تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ (الزخرف 84 ) – أي هو إله من في السماء وإله من في الأرض، وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ” ويحتمل أن يكون المعنى: أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون ” وهذا من باب حذف المضاف، قال الله تعالى:﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ (سورة يوسف – 82) معناه واسأل أهل القرية من باب حذف المضاف، وقال الحافظ العراقي “ وخير ما فسرته بالوارد ” أي خير ما يفسر القرآن بالقرآن أو الحديث الثابت وخير ما يفسر الحديث القرآن أو حديث آخر وهذا طريق النجاة من الوقوع في تشبيه الله بخلقه أو الوقوع في نفي صفات الله تعالى.
س 12 : ما معنى حديث ” يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ “؟
ج 12 : هذا الحديث يُفسره حديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “إن الله يمهل حتى إذا مضى شطر الليل الأول أمر مناديًا فينادي إن ربكم يقول: هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له” رواه النسائي وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه تم ضبطه بضم الياء: (يُنزل ربنا)، أي يُنزل الله ملَكًا بأمره تعالى، فسّر الحافظ حماد بن زيد حديث (ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا) بقوله: نزوله إقباله كما أن الإمام مالك قال في حديث النزول (نزول رحمه وليس نزول نقله) ذكره ابن عبد البر في التمهيد، وذكر إمام الحرمين الجويني توفي سنة 431 هجرية في كتابه الشامل في أصول الدين ما نصّه: وقال المعنى بنزول الله نزول ملائكته المقرّبين الحافّين حول العرش. قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي (يا ابن آدم استطعمتك ولم تطعمنى فيقول: فكيف أطعمك وأنت رب العالمين فيقول: أفلم يستطعمك عبدى فلان أما تعلم أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ،يا ابن آدم استسقيتك ولم تسقني فيقول: فكيف أسقيك وأنت رب العالمين فيقول: أفلم يستسقيك عبدى فلان أما تعلم أنك لو اسقيته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم مرضت ولم تعدني فيقول: فكيف أعودك وانت رب العالمين فيقول: مرض عبدى فلان أما تعلم انك لو عدته لوجدتني عنده)
وهذه الأحاديث القدسية التي ورد بها المتشابه وتأويله كافية للرد على أهل الأهواء الذين يشبهون الله بخلقه والعياذ بالله. فلولا أن التأويل ورد في هذه الأحاديث لقال الذين في قلوبهم زيغ أن الله يمرض ويجوع ويعطش وله أرجل يجري بها والعياذ بالله، ولو أنه لم يأتي تأويلها في هذه الأحاديث لقلنا نحن أهل السنة والجماعة أن الله ليس كمثله شىء ويجب تأويل هذه الأحاديث بما يليق بحق الله. أخي المسلم ان آخر ثلث الليل يتغير في بقاع الأرض 240 مرة تقريباً كل عشرة دقائق إذ لو كان جسماً على زعم المجسمة لكان الله يتقلص حتى تسعه الأرض نسأل الله السلامة وحسن الفهم والختام.
س 13 : ماذا يقول أهل العلم بحديث الجارية الذي فيه لفظ: أين الله، فقالت الجارية: في السماء؟
ج 13 : وأما الحديث المعروف بحديث الجارية فقد قال فيه الإمام النووي في شرح صحيح مسلم الجزء الخامس كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة باب تحريم الكلام في الصَّلاة ونسخ ما كان من إباحته: ” هذا الحديث من أحاديث الصّفات، وفيها مذهبان تقدَّم ذكرهما مرَّات في كتاب الإيمان: أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أنَّ الله ليس كمثله شىء، وتنزيهه عن سمات المخلوقات. والثَّاني: تأويله بما يليق به. فمن قال بهذا قال: كان المراد امتحانها هل هي موحِّدة تقرُّ بأنَّ الخالق المدبِّر الفعَّال هو الله وحده، وهو الَّذي إذا دعاه الدَّاعي استقبل السَّماء، كما إذا صلَّى المصلِّي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنَّه منحصر في السَّماء، كما أنَّه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأنَّ السَّماء قبلة الدَّاعين، كما أنَّ الكعبة قبلة المصلِّين، أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان الَّتي بين أيديهم، فلمَّا قالت: في السَّماء علم أنَّها موحِّدة وليست عابدة للأوثان. قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدِّثهم ومتكلِّمهم ونظَّارهم ومقلِّدهم أنَّ الظَّواهر الواردة بذكر الله في السَّماء كقوله تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ﴾ (الملك: 16 ) ونحوه ليست على ظاهرها بل مُتأوّلة عند جميعهم” انتهى.
وقال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه بعد رواية حديث معاوية بن الحكم: قلت ( قد ثبت عند العلماء أن الله تعالى لا يحويه السماء والأرض ولا تضمه الأقطار وإنما عرف بإشارتها تعظيم الخالق عندها ). اه
وقال بعض العلماء إن الرواية الموافقة للأصول هي رواية مالك وفيها أن الرسول قال لها: “أتشهدين أن لا إله إلا الله” قالت: “نعم” قال: “أتشهدين أني رسول الله” قالت: “نعم”. أخرجها إماما أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل ومالك بن أنس رضي الله عنهما.
ونكتفي بهذا القدر من الأدلة واعلم عندما تتعرض لآيات أو أحاديث ظاهرها يوهم تشبيه الله بخلقه فإنها ليست على ظاهرها كما قال القاضي عياض فإن وجد ذلك ولم تعلم المعنى فقل كما قال الشافعي ” آمنت بالله وبكل ما جاء عن الله على مراد الله وآمنت برسول الله وبكل ما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ” ثم تسأل أهل الذكر في معنى هذه النصوص.
والحمد لله ربِّ العالمين
أحدث التعليقات